ناصر زهير
يعقد وزراء مالية الاتحاد الأوروبي اجتماعا عبر الفيديو لإقرار خطة إنقاذ اقتصادية هامة لمواجهة التأثيرات الاقتصادية السلبية التي تواجه الدول الأوروبية بسبب جائحة كورونا . أهمية هذا الاجتماع تكمن في أنه يشكل اختبارا لقدرة الاتحاد الأوروبي الاقتصادية لمواجهة الأزمة الأسوأ التي تضرب الدول الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية بحسب تصريحات المستشارة الألمانية " أنغيلا ميركل "، وبالتالي فإن نتائج هذا الاجتماع ستكون مفصلية في تحديد مدى قدرة منظومة الاتحاد الأوروبي في اتخاذ قرارات مناسبة لمواجهة الأزمات الاقتصادية التي تواجه التكتل الأوروبي . كما يأتي هذا الاجتماع بعد خلافات كبيرة نشبت بين الدول الأكثر تضرراً من فيروس كورونا وهي " ايطاليا و اسبانيا " وبين دول الشمال التي ترفض إقرار تشاركية في الديون أو ما يعرف بسندات كورونا وعلى رأس قائمة الدول الرافضة لهذه الآلية هي ألمانيا التي تعتبر القاطرة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي.
وهنا تأتي فرنسا التي تقع في المنتصف بين الجانبين، فمن جهة هي تقع ضمن تصنيف الدول الأكثر تضررا من فيروس كورونا و من جهة أخرى تعتبر الدولة الأولى في السعي للحفاظ على الوحدة الأوروبية و تعزيز منظومة الاتحاد وإصلاحها .
وبحسب تصريحات لمصادر دبلوماسية "لوكالة فرانس برس" فإن دول الاتحاد الأوروبي تقترب من إقرار خطة إنقاذ اقتصادية للدول الأوروبية الأكثر تضرراً من تفشّي فيروس كورونا الجديد، ولكن ليس على مستوى الطموح الذي سعت إليه إيطاليا وإسبانيا، إذ إنّها لا تتضمّن إصدار سندات "كورونا بوند".
ومن المقرّر أن يعقد وزراء مالية دول التكتل الـ27 جتماعاً عبر الفيديو، اليوم الثلاثاء، حيث من المتوقع أن يتم الاتفاق على استخدام أموال صندوق خطة إنقاذ لمنطقة اليورو بقيمة 410 مليارات يورو.
وهذه التحركات تعتبر جيدة لدول التكتل الأوروبي في تعزيز الاجراءات الاقتصادية لمواجهة أزمة كورونا، حتى وأن لم تتضمن إقرار سندات كورونا أو تشاركية الديون .
فالبرنامج الذي أقره المصرف المركزي الأوروبي بقيمة 750 مليار دولار لشراء الديون العامة والخاصة ، وصندوق خطة الانقاذ المتوقع اقراره بقيمة 410 مليار يورو ، يعتبراان خطوة هامة في تحركات المنظومة الأوروبية لمواجهة الأزمة الحالية .
ولكن في نفس الوقت لا تعتبر هذه الخطوات كافية وتحتاج الى خطوات أكبر في المستقبل القريب والعمل المطلوب من المفوضية الأوروبية بعد انتهاء الأزمة وتقييم الأضرار هو أكبر بكثير من المطلوب في الوقت الحالي، ودول الاتحاد الأوروبي تدرك ذلك وعليها أن تستعد جيداً للمستقبل القريب ولا يمكنها أن ترمي كل أوراقها في خطوة سريعة وغير محسوبة تضر بميزانية الاتحاد ككل .
منظومة الاتحاد الأوروبي ومشكلة دول الشمال ودول الجنوب …
منذ فترة طويلة والحديث يدور في المنظومة الأوروبية حول الفوارق بين دول الجنوب الأوروبي التي ترزح تحت أزمات اقتصادية متلاحقة وبين دول الشمال الغنية، وحول فشل منظومة العمل الأوروبي في الوصول الى صيغة اقتصادية موحدة لجميع دول الاتحاد . وفي حقيقة الأمر هذا الطرح منافي للواقع ولا يمكن تطبيقه ومن يستغله في السنوات الأخيرة هي أحزاب اليمين المتطرف الأوروبي والداعية الى تفكيك الاتحاد وانفصال دولها بحجة الفوارق الاقتصادية بين دولة مثل ايطاليا في الجنوب ودولة أخرى في الشمال مثل ألمانيا أو السويد .
فمنظومة الاتحاد الأوروبي ليست منظومة اتحاد فيدرالي كما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية عند تأسيسها، دول الاتحاد الأوروبي تقع في اتحاد سياسي واقتصادي وعسكري ولكن مع سياسات مستقلة لكل دولة في الميزانيات والإنفاق والاقتصاد الذي يتقيد بالحد الأدنى بالضوابط الأوروبية التي تم الاتفاق عليها ، ولكل دولة اقتصادها القوي أو الضعيف ولا يمكن لدولة أن تتحمل ديون أو أخطاء دولة أخرى .
وعلى الرغم من ذلك تدخلت الدول الأوروبية لتنقذ اليونان من أزمة الإفلاس التي ضربتها وأنفقت دول الاتحاد مئات المليارات لإنقاذ اليونان و وضع خطة اقتصادية محفزة لإعادة بناء الاقتصاد اليوناني . ونفس الأمر بالنسبة لإيطاليا التي تعتبر صاحبة المديونية الأكبر في أوروبا بعد اليونان .
هل فشلت الدول الأوروبية أم نجحت في مواجهة أزمة كورونا ….
إذا ما أردنا أن نجري تقييم سريع لمنظومة الاتحاد الأوروبي في مواجهة جائحة كورونا ، فإن الإجابة ستكون بأنها كانت فاشلة صحياً وناجحة اقتصاديا . فدول الاتحاد الأوروبي كما كل دول العالم وقعت تحت جائحة كورونا وانتشارها السريع بشكل مفاجئ، وإذا ما أجرينا مقارنة سريعة بين الوضع في الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأقوى وصاحبة الاقتصاد الأول عالمياً وبين دول الاتحاد الأوروبي فإن الوضع لا يختلف كثيرا والتخبط الذي أصاب الجانبين يفسر مدى خطورة فيروس كورونا وتأثير انتشاره السريع .
وإذا ما أجرينا مقارنة سريعة بين دول الاتحاد الأوروبي نفسها فإن الوضع لا يختلف أيضا، ففي بداية الأزمة في ايطاليا واسبانيا كانت الاتهامات تُلقى على فرنسا وألمانيا بأنهم تخلوا عن الإيطاليين ولم يقدموا المساعدة المطلوبة وهذا ما استدعى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بالخروج بتصريح علني لوسائل الإعلام حول المساعدات التي قدمتها فرنسا وألمانيا لإيطاليا وهي أكثر من مليوني كمامة طبية وعشرات الألاف من البدل الطبية الواقية، هذا الرقم يبدو صغيرا في الوقت الحالي ولكنه كان كبيرا جدا في بداية الأزمة والنقص الرهيب في المستلزمات الطبية التي ضربت دول الاتحاد الأوروبي .
وبعد أسبوعين دخلت فرنسا في أوج العاصفة وأصبحت تتسابق مع ايطاليا واسبانيا في أعداد الإصابات والوفيات، فتحولت الاتهامات الى ألمانيا منفردة وأصبح الحديث عن دول الشمال ودول الجنوب، وبعد أن تدخل ألمانيا في عين العاصفة ستتحول الاتهامات الى السويد والدنمارك وفنلندا وبناء على هذه الحسابات البسيطة تصدر لاانتقادات للاتحاد الأوروبي ومنظومة العمل الأوروبية .
ولكن يجب الاعتراف بأن هناك أخطاء كثيرة للمفوضية الأوروبية ويجب إصلاحها بسرعة ومن أكبر هذه الأخطاء زيادة الإنفاق حول التسلح والحروب الاقتصادية وإغفال الإنفاق على القطاع الصحي الذي بدا متهالكا في مواجهة جائحة كورونا .
كما أن تشجيع فكرة بأن تكون الصين هي مصنع العالم والانسياق خلف أطماع الشركات و رؤوس الأموال ومنحهم تخفيضات ضريبية وجمركية للتصنيع في الصين كان الخطأ القاتل بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي، فما معنى أن تنتظر الدول الأوروبية الطائرات التي تحمل المستلزمات الطبية كالأقنعة والمعقمات، وأجهزة طبية للإنعاش والفحص تبين بأن 35٪ منها كانت غير صالحة للعمل وتعطي قراءات خاطئة بحسب تصريحات وتقارير صحفية من الدول الأوروبية التي استلمتها .
وبالتالي فإن المنظومة الأوروبية تقع تحت مسؤولية إصلاح أخطائها الاستراتيجية في الاستعداد لمثل هذه الكوارث العالمية، ولكنها ليست تحت مسؤولية تحمل الديون والانفلات في ميزانية دول الجنوب كما تُسمى ، ولا يمكن ترسيخ الفكرة التي يستخدمها اليمين المتطرف وبعض الداعين الى تفكك المنظومة الأوروبية بأن المفوضية الأوروبية مسؤولة عن توازن اقتصادات دول التكتل الأوروبي ويجب أن يكون الوضع الاقتصادي في إيطاليا أو اليونان مشابه للوضع الاقتصادي في ألمانيا أو السويد .
المنظومة الأوروبية ستكون قوية في المستقبل وستكون هناك إعادة رسم للسياسات الاقتصادية والعسكرية والسياسية خاصة بعد خروج بريطانيا وتصدر فرنسا وألمانيا للمشهد الأوروبي . والأهم إصلاح المنظومة الأوروبية من الداخل وبناء التحالفات السياسية والاقتصادية بناء على مصالح الاتحاد الأوروبي فقط وليس بناء على التحالفات التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية،.
فحلف الناتو لم يعد مفيد للدول الأوروبية وإنفاق 2 إلى 3٪ من الناتج المحلي على هذه الدول لصالح حلف الناتو يعتبر بلا فائدة في الوقت الحالي، ويجب العمل على فكرة الجيش الأوروبي الموحد أو على الأقل بناء تحالف عسكري أوروبي يشيه منظومة عمل الناتو ولكن فقط للدول الأوروبية .
Комментарии